حديث المنزلة الشريف
صفحة 1 من اصل 1
حديث المنزلة الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
حديث المـنـزلة الشـريف
مصــادره ، تـواتـره ، دلالـتــه
(بـاخـتـصــــار)
بقلم: صـوت الاسـتقامـة
أولاً: مصادر الحديث وتواتره
روى مسلمٌ (ت 261 هـ) في صحيحه (7/119 ـ 120) دار الفكر ـ بيروت ، قال : "حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو جعفر محمد بن الصباح وعبيد الله القواريري وسريج بن يونس كلهم ، عن يوسف بن الماجشون ـ واللفظ لابن الصباح ـ حدثنا يوسف أبو سلمة الماجشون ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن سعيد ابن المسيب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليٍّ: أنت مِنِّي بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنَّهُ لا نَبِيَّ بعدي . قال سعيدٌ: فأحببت أن أُشافِهَ بها سعدًا، فَلَقِيتُ سعدًا فحدَّثْتُه بِمَا حدَّثني عامرٌ . فقال: أنا سمعته . فقلت: آنت سمعتَهُ؟ فَوَضَعَ إصبعَيْهِ على أذنيه فقال: نعم وإلاَّ فاستكَّتا".
وفي لفظ السنن الكبرى للنسائي (5/121 دار الكتب العلمية ـ بيروت) وخصائصه: أنَّ سعيدَ بنَ المسيب قال لسعدٍ: "ما حديثٌ حدَّثني به عنك عامرٌ؟! ، فأدخل سعدٌ إصبعيه في أُذُنيه وقال: سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلاَّ فاستكَّتا".
وهذا اللفظ يؤكد أن سؤال سعيد بن المسيب كان على سبيل الاستنكار والتعجب؛ حتى أدى ذلك لأن يؤكد له سعدٌ سماعه بالجملة المذكورة.
أما بالنسبة لمصادره فهذا الحديث الشـريف قد اتَّفق على روايته البخاري ومسلم في صحيحيهما، وله كثير من المصادر، وكثير من الأسانيد، وقد أورده مصطفى العَدْوي في "الصحيح المسند من فضائل الصحابة" عن البخاري في "صحيحه" برقم (4416) ، ثم قال: وأخرجه مسلم (2404) والنسائي في فضائل الصحابة (38) وأحمد (1/182) وفي الفضائل (960) والنسائي في الخصائص (53) وأبو يعلى (1/285 ـ 286) والطيالسي في مسـنده (209) وابن أبي شـيبة في المصنَّف (12123) . انتهى
أقول : والحديث متواتِرٌ ؛ ذكره السيوطي في "الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة" : 76 ، طبعة دار الفكر ـ بيروت . وهو فيه من حديث أبي سعيد ، وأسماء بنت قيس، وأم سلمة ، وابن عباس ، وحبشي بن جنادة ، وابن عمر ، وعلي عليه السلام ، وجابر بن سمرة ، والبراء بن عازب ، وزيد بن أسلم.
وفي الملحق به من كتاب "إتحاف ذوي الفضائل" للمحدث عبد العزيز الغماري: "أسماء بنت عميس" بدلا من "أسماء بنت قيس" حكايةً عن "الأزهار المتناثرة" ، ولم ينتـبه المحقِّق إلى هذا التعارض وما يليه!
وفي "الإتحاف" : "زيد بن أرقم" حكاية عن الأزهار، بدلاً من "زيد بن أسلم"!
وأورده الكتاني في "نظم المتناثر" (ص207) بزيادة حديث مالك ابن الحويرث، وسعد بن أبي وقاص، وعمر بن الخطاب.
وزاد المحدِّث أحمد بن محمد بن الصديق الغماري في تعليقاته حديث أبي ليلى، وعمر بن أبي سلمة، وأخيه سلمة، وجابر بن عبد الله. حكاه عن تعليقاته شقيقُه المحدِّث عبد العزيز بن محمد بن الصديق الغماري في "إتحاف ذوي الفضائل المشتهرة" : 169 .
فالحديث متواترٌ في رأي الحافظ السيوطي، وبموافقة الحافظ الكتَّاني، وموافقة المُحدِّثَين الغِمَاريَّين . وذلك من حديث سبعة عشر صحابيًّا .
ثانياً: منازل هارون من موسى التي تثبت لعلي عليهم السلام
ومنازل هارون من موسى عليهما السلام تتَّضح من قوله تعالى: (قال ربِّ اشْرَح لي صدري . ويسِّر لي أمري . واحْلُلْ عُقدةً مِنْ لساني . يفقهوا قولي . واجعَلْ لي وزيرًا من أهلي . هارونَ أخِي . اشْدُدْ به أزري . وأشركه في أمري) إلى قوله تعالى: (قال قد أُوتيتَ سُؤ ْلَكَ يا موسى) طه/ 25 ـ 36 . وكذا من قوله تعالى: (...وقال موسى لأخيه هارون اخْلُفْني في قَومي وأَصْلِحْ ولا تَتَّبِعْ سبيل المفسدين) الأعراف/ 142 .
فمن منازل هارون:
1 ـ أنه كان أخا موسى عليهما السلام ولادةً . وهذه المنزلة لا يُحتمل إرادتها في حديث المنزلة لأنَّ عليًّا عليه السلام لم يكن أخاه صلى الله عليه وآله وسلم ولادةً .
2 ـ أنَّه كان نبيًّا معه (وأ َشْرِكْهُ في أ َمْرِيْ) ، وقد استثنى النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هذه المنزلة بعده فقال: "إلاَّ أنَّه لا نبيَّ بعدي" .
3 ـ أنَّه كان وزيره .
4 ـ أنه كان أفضل أهل زمانه .
5 ـ أنه كان أحبَّ أهل زمانه إليه .
6 ـ أنه كان أخصَّ أهل زمانه به .
7 ـ أنه كان أوثقهم في نفسه .
8 ـ أنَّه كان يخلفه في قومه إذا غاب موسى عليه السلام عنهم .
9 ـ أنه كان بابه في العلم .
10 ـ أنَّه لو مات موسى وهارون حيٌّ كان هو خليفته بعد وفاته .
وحديث المنزلة يُوجبُ أنَّ هذه الخصال الَّتي تُعبِّر عن منزلة هارون من موسى عليهما السلام كلَّها ثابتةٌ للإمام عليٍّ عليه السلام من النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم ، باستثناء ما استثناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ، وهي النبوة ، أو ما استثنته الضرورة التَّاريخية ، وهي الأخوَّة وِلادةً .
ثالثاً: مع النكات الدلالية في الحديث
النكتة الأولى:
أن استثناء منزلة النبوة في الحديث ، دليل على أن عدم الاستثناء مما من شأنه أن يوهم ثبوت النبوة لعلي عليه السلام ، فاستُثني دفعاً لهذا التصور ، وهذا يفيد أن الحديث يثبت لعلي فضيلة عظيمة تقتضي ـ فيما تقتضي ـ منزلة النبوة ، فاستثناها وأبقى سائر المنازل . وهذا مقام العظيم ومنزلة رفيعة للغاية. ومن هنا ندرك أن الاستثناء دليل على بقاء المنازل تحت مدلول الحديث ، فقد خرجت النبوة وبقيت سائر المنازل.
النكتة الثانية:
أن قيد "بعدي" في الاستثناء يفيد أن دلالة الحديث ذات بقاء وفعلية في زمن ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولذلك خاف أن يتوهم السامع أن عليا نبي بعد النبي ، فتحرز من ذلك بالاستثناء ، ولو كان المفهوم من الحديث أن القضية تختص بزمن الاستخلاف على المدينة في غزوة تبوك، لما احتاج إلى هذا القيد، بل لما احتاج إلى الاستثناء أصلاً ؛ لأن افتراض أن القضية خاصة بظرف زماني ضيق ، ينفي الدلالة على النبوة ، فيُستغنى بذلك عن التحرز بالاستثناء . فلما استثنى عُلم أن الحديث ذو دلالة على النبوة ما بعد النبي ، فأراد النبي أن يستثنيها . فدل ذلك على أن سائر المنازل ثابتة لعلي بعد النبي ، ومنها الخلافة .
النكتة الثالثة:
أننا لا حظنا أن سعيد بن المسيب يرتاب في صحة الحديث رغم سماعه إياه عن أحد أخص الناس بالصحابي سعد ، فيقوم بالتحقق بنفسه ، وبجملة لا تخلو من إبراز للاستنكار والتعجب ؛ ولذلك يضطر الصحابي لأن يؤكد المضمون الذي رواه بعبارة "وإلا فاستكتا" . وهو ما يدل على أن في الحديث منزلة لا تشبه المناقب الاعتيادية التي يمكن أن تصدر من النبي في حق أي واحد من الصحابة ، بل هي منزلة أو منازل تستحق التوقف والاستنكار والتعجب والتحقق . ولو كانت القضية مجرد تشبيه لعلي بهارون في خصوص قضية الاستخلاف في زمن مخصوص ، لما استدعى ذلك التعجب من سعيد بن المسيب، ولا استدعى ذلك التأكيد من قبل الصحابي.
النكتة الرابعة:
أن رواية صحيح مسلم وغيره دلت على أن معاوية بن أبي سفيان حين أمر سعداً بسب الإمام علي ، فامتنع سعدٌ مبرراً امتناعَهُ عن سب علي بأمور منها حديث المنزلة ، وهذا يعني أن الحديث لا يتحدث عن مجرد مشابهة بين هارون وعلي في مسألة الاستخلاف المؤقت؛ وإلا فأي شيء في ذلك مما يمنع من سبه عليه السلام، ولكن الحديث في نظر سعد يوجب مزية إيمانية شريفة يمتنع معها جواز سبه عليه السلام، وهذا ينسجم مع القول بأن التشبيه بين علي وهاورن هو في منازل القرب من نبي الله الذي هو من أولي العزم.
النكتة الخامسة:
أنه روى أحمد بن حنبل في مسند رواية صحيحة على رأي العديد من علماء أهل السنة، قدمائهم ومتأخريهم، فيها أن ابن عباس تأفف قائلاً "أف وتف" إزاء تصرف أناس وقعوا في عليٍّ عليه السلام، ثم أخذ يُسند انزعاجه مما رأى منهم إلى عدة فضائل أخذ يعددها، وكان منها حديث المنزلة.. وهذا يدل على أن عباس يرى أن حديث المنزلة يمثل فضيلة تتنافى والوقوع في علي عليه السلام، وهذا يعني أن الحديث في نظر ابن عباس ليس بصدد التشبيه بين علي وهارون من حيث الاستخلاف فحسب، وإلا فأي شيء في ذلك يوجب أن يكون هذا الاستخلاف ـ لو كان مراداً بمحضه دونما مزية وفضيلة خاصة ـ متنافياً مع الوقوع في علي والنيل منه؟ فدل ذلك على أن لحديث المنزلة دلالة تشريفية إيمانية، بحيث يمتنع معه جواز الوقوع في علي، ويستحق فاعل ذلك الأف والتف.. وهذا الوجه هو نفسه الذي استندنا إليه في النكتة السابقة. ولا يجدي الاعتراض بضعف أبي بلج؛ لأن ضعفه ليس على رأي جميع علماء أهل السنة، بل هو ثقة عند العديد، فيكون حجة على العديد، والراجح وثاقته.
هذا باختصار..
والله ولي التوفيق.
مواضيع مماثلة
» حديث المنزلة
» حديث المنزلة .. رواية ودراية من طرق الشيعة
» رد أباطيل عثمان الخميس على حديث المنزلة
» حديث الطير
» جامع روايات التحريف لكتاب الله الشريف
» حديث المنزلة .. رواية ودراية من طرق الشيعة
» رد أباطيل عثمان الخميس على حديث المنزلة
» حديث الطير
» جامع روايات التحريف لكتاب الله الشريف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى