بعض الملاحظات المتعلقة بحديث الثقلين
صفحة 1 من اصل 1
بعض الملاحظات المتعلقة بحديث الثقلين
بعض الملاحظات المتعلقة بحديث الثقلين
التعليق على حيث وسنتي
إتضح مما تقدم صحة الحديث الثقلين وعدم الكلام في صحته فقد رواه مسلم في صحيحه الذي اتفق علماء السنة على صحته ، بل قدمه جماعة على صحيح البخاري منهم الحافظ أبي علي النيسابوري ، ورواه غيره بالأسانيد الصحيح ، ومع هذا فقد حاول البعض رده والإستدلال بخبر آخر لا يتعارض معه بأدنى مستوى من التعارض وهو أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال : ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما مسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه)) .التعليق على حيث وسنتي
هكذا ذكر الخبر مالك في موطأه وذكر بأنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون أن يذكر سند الحديث .[1]
وهذا الخبر كما في الموطأ لا يمكن قبوله لعدم إتصال إسناده .
وقد أسند هذا الخبر الحاكم في المستدرك وأبو بكر الخطيب في كتاب الفقيه والمتفقه ، ولا بأس من عرض طرق الحديث وهي :
الإسناد الأول :
1- ما رواه إسماعيل بن أبي أويس بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس فيما أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين حيث قال :
حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه ، أنبأنا العباس بن الفضل الأسفاطي ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس .
وأخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني ، حدثنا جدي ، حدثنا ابن أبي أويس ، حدثني أبي ، عن ثور بن زيد الديلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس :
(( أن رسول الله Eخطب الناس في حجة الوداع فقال : قد يئس الشيطان بأن يعبد بأرضكم ، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم ، فاحذروا أيها الناس ، إني قد تركت فيكم ما أن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً ، كتاب الله ، وسنة نبيه E…)) .[2]
وهذا الطريق هو أقوى الطرق المذكورة في كتب الحديث ، والتي وصفها بعضهم بالصحة ، ومع هذا لا يمكن قبوله ويمكن تسجيل عدة ملاحظات مهمة عليه ومن أهمها :
أ- إشتمال إسناده على عكرمة مولى ابن عباس ، وعكرمة وإن وثقه جماعة وقال فيه البخاري في تاريخه الكبير : (( ليس أحد من أصحابنا إلا إحتج بعكرمة)) .[3] ، ولكن يمكن الجزم بعدم إمكانية الإعتماد عليه وذلك :
أولا : لأنه كان من الخوارج التي دلت الروايات المتواترة التي تقدمت الإشارة إليها على مروقهم من الدين . قال يحي بن معين : إنما لم يذكر مالك بن أنس عكرمة ، لأن عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية[4] ، وقال مصعب الزبيري : كان عكرمة يرى رأي الخوارج ، وزعم أن مولاه[5] كان كذلك .[6]
وبهذا يتضح أن عكرمة كان من النواصب الذين يبغضون أمير المؤمنين (ع) والعترة الطاهرة .
ثانيا : ما ذكره البخاري من الإتفاق على الإحتجاج به مبالغة لا تخفى على من تتبع كلمات الرجال ، فقد اتهمه بالكذب من لا يمكن تجاهل قوله ، ومنهم سعيد بن المسيب فيما أخرجه جماعة منهم الفسوي في تاريخه وأحمد بن حنبل وغيرهما ، يقول عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثني أبي ، قال حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال أكثر علمي أن إبراهيم ذكره عن أبيه قال : قال سعيد بن المسيب لمولى له يقال له برد : لا تكذب عليّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس .[7]
قال عبد الله بن أحمد : قال أبي : وحدثناه يعقوب ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن ابن المسيب مثله ، ولم يشك فيه .[8]
وقال أيضا : حدثني أبي ، قال حدثنا إسحاق الطبّاع ، قال : سألت مالك بن أنس ، قلت : أبلغك أن ابن عمر قال لنافع : لا تكذبن عليّ كما كذب عكرمة عن ابن عباس؟ قال : لا ، ولكن بلغني أن سعيد بن المسيب قال ذلك لبرد مولاه .[9]
وقال فيه يحي بن سعيد الأنصاري : كان كذّابا .[10] ونقل تكذيبه عن ابن سيرين وغيره .[11]
ب- إشتمال السند على إسماعيل بن أبي أويس ، الذي كان هو الآخر كذّاباً وضاعاً للحديث ، قال اللالكائي الطبري : بالغ النسائي في الكلام عليه إلى أن يؤدي إلى تركه ، ولعله بان له مالم يبن لغيره ، لأن كلام هؤلاء كلهم يؤول إلى أنه ضعيف .[12]
وقال الحافظ ابن عدي : سمعت ابن حمّاد يقول : سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول : ابن أبي أويس كذّاب ، كان يحدث عن مالك بمسائل عبد الله بن وهب .[13]
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : وقرأت على عبد الله بن عمر ، عن أبي بكر بن محمد ، أن عبد الرحمن بن مكي أخبرهم كتابة ، أخبرنا الحافظ أبو طاهر السلفي ، أنبأنا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني ، أنبأنا الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد البرقاني ، حدثنا أبو الحسن الدار قطني ، قال : ذكر محمد بن موسى الهاشمي ، وهو أحد الأئمة ، وكان النسائي يخصه بما لم يخص به ولده ، فذكر عن أبي عبد الرحمن ، قال حكى لي سلمة بن شبيب قال : بم توقف أبو عبد الرحمن؟ قال : فما زلت بعد ذلك أداريه أن يحكي لي الحكاية حتى قال لي سلمة بن شبيب : سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول : ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم .
والعجب من الحافظ ابن حجر بعد أن نقل ذلك قال : وهذا هو الذي بان للنسائي منه حتى تجنب حديثه ، وأطلق القول فيه بأنه ليس بثقة ، ولعل هذا كان من إسماعيل في شبيبته ثم انصلح ، وأما الشيخان فلا يظن بهما أنهما أخرجا عنه إلا الصحيح من حديثه الذي شارك فيه الثقات…[14]
وكونه كان وضّاعا في شبيبته ثم تاب مجرد احتمال ، والرجل بعد كونه من الكذابين لا يمكن الإعتماد عليه .
وهذا هو حال أقوى إسناد قد يعتمد عليه لتصيح الخبر المتقدم .
الإسناد الثاني :
2- وهو ما رواه صالح بن موسى الطلحي بسنده عن أبي هريرة فيما أخرجه الحاكم في المستدرك والخطيب في الفقيه والمتفقه وابن عدي في الكامل ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم :
(( إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما ، كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض)) .[15]
ومشكلة هذا الإسناد هو صالح بن موسى الطلحي الذي لا كلام في ضعفه وتهمته ، قال يحي بن معين : ليس بثقة ، وقال : ليس بشيء ، وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، منكر الحديث جدا ، كثير المناكير ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال العقيلي : لا يتـابع على شيء مـن حديثه .[16]وقال ابن حجر : متروك .[17]
الإسناد الثالث :
3- وهو ما أخرجه أبو بكر الخطيب في الفقيه والمتفقه حيث قال : أنبأنا أبو طالب محمد بن علي بن إبراهيم البيضاوي ، أنبأنا محمد بن العباس الخزّاز ، أنبأنا أبو بكر بن المجلد ، حدثنا عبد الله بن عمر ، حدثني شعيب هو ابن إبراهيم التميمي ، حدثنا سيف يعني ابن عمر ، عن أبان بن إسحاق الأسدي ، عن الصباح بن محمد ، عن أبي حازم ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
(( خرج رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم علينا في مرضه الذي توفي فيه ونحن في صلاة الغداة ، فذهب أبو بكر ليتأخر ، فأشار إليه مكانك ، وصلى مع الناس ، فلما انصرف حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس ، إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي ، فاستنطقوا القرآن بسنتي ولا تعسفوه فإنه لن تعمى أبصاركم ولن تزل أقدامكم ، ولن تقصر أيديكم ما أخذتم بهما)) .[18]
ومشكلة هذا الإسناد أولا اشتماله على سيف بن عمر التميمي الضبي البرجمي الذي لا كلام في كذبه وضعفه في الحديث .
قال الحافظ أبو نعيم الإصبهاني : متهم في دينه بالزندقة ، ساقط الحديث ، لاشيء .[19] ونقل ابن حبان بسنده عن ابن نمير قال : كان سيف يضع الحديث ، وكان قد أتهم بالزندقة .[20]
وقال الحافظ ابن عدي : وبعض أحاديثه مشهورة ، وعامتها منكرة لم يتابع عليها ، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق .[21]
وقال النسائي والدار قطني : ضعيف ، وقال يحي بن معين ضعيف الحديث ، وقال الحاكم : اتهم بالزندقة ، وهو في الرواية ساقط .[22] وقال ابن حجر : ضعيف الحديث .[23]
والمشكلة الثانية في الإسناد هي إشتمال السند على شعيب بن إبراهيم التميمي الكوفي ، قال ابن حجر : راوية سيف وفيه جهالة .[24]
وقال ابن عدي : وهو ليس بذلك المعروف ، ومقدار ما يروي من الحديث والأخبار ليست بالكثيرة ، وفيه بعض النكرة ، لأن في أخباره وأحاديثه ما فيه تحامل على السلف .[25]
وهذا حال الحديث بطرقه المتعددة التي هي في غاية الضعف ، وليس فيها ما يمكن الإعتماد عليه .
والعجب من بعض أولئك الذين ما يمر بهم حديث إلا وتكلموا فيه من جهة السند ، ولكن عندما تمر بهم الروايات المعتبرة في فضل أهل البيت عليهم الصلاة والسلام بذلوا جهدهم وطاقتهم لردها ، وفي المقابل تهاونهم في قبول الأحاديث التي تتلائم مع ما يذهبون إليه ، ليكون هو المعيار في قبول او رد الأخبار بدلا من جعل الأخبار المعتمدة هي منشأ الحكم والإعتقاد .
ويمكن مضافا لما تقدم تسجيل بعض الملاحظات :
1- اتضح مما تقدم صحة حديث الثقلين الذي أخرجه مسلم في صحيحه ، ومع هذا تجد التجاهل الواسع لهذا الحديث والتركيز على الحديث الآخر رغم كونه من الأحاديث التي هي في غاية الضعف .
2- على فرض صحة الحديث ، فالسنة الثابته لا كلام في لزوم الأخذ بها وعدم افتراقها عن القرآن الكريم ، وهي تدعوا إلى العترة ، وتدل على عدم مفارقتها للقرآن الكريم إلى يوم القيامة وهو ما يقتضي وجود السنة الشريفة عند أهل البيت عليهم الصلاة والسلام .
3- اتضح ما تقدم كيف كان موقف الأمة من السنة أيضا وذلك بإنكار عصمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الصغائر والقول بإجتهاده كما ذهب إليه أحمد بن حنبل وأبو يوسف ، بل وقول البعض بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصيب ويخطيء وبل وبحديث الغرانيق الذي رواه جماعة من الفقهاء المعتمد عليهم للأسف الشديد وصححه جملة من الحفاظ منهم ابن حجر والسيوطي ، وبل ويستفاد من كلام ابن تيمية كما تقدم ، وهو ما يجعل جميع التعاليم محلاً للشك والعياذ بالله تعالى ، وهذه السنة التي نزلوها بهذا المستوى ذهب الأكثر عدا الإمام الشافعي إلى كونها ناسخة للقرآن ، بل ذهب بعضهم إلى نسخ الكتاب المجيد بالقياس ونحوه . فأين هو التمسك بالسنة ؟؟ .
[1] موطأ مالك برواية الليثي وتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ج2 ص899 .
[2] المستدرك على الصحيحين ج1 ص93 ط1 ، وج1 ص171 ح318 من الطبعة الحديثة .
[3] التاريخ الكبير للبخاري ج7 ص49 رقم 218 .
[4] وهم الخوارج .
[5] يعني عبد الله بن عباس .
[6] تهذيب التهذيب ج7 ص237 رقم 476 ، وراجع أيضا : الكامل في ضعفاء الرجال ج5 ص266 رقم 1411 .
[7] كتاب العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل ج2 ص71 رقم 1583 ، المعرفة والتاريخ للفسوي ج2 ص5 ، وراجع : تهذيب التهذيب ج7 ص137 .
[8] كتاب العلل ومعرفة الرجال ج2 ص71 رقم 1584 .
[9] كتاب العلل ومعرفة الرجال ج2 ص70 رقم 1582 .
[10] تهذيب التهذيب ج7 ص238 ، الضعفاء الكبير للعقيلي ج3 ص373 رقم 1413 .
[11] الكامل في ضعفاء الرجال ج5 ص266 رقم 1411 .
[12] تهذيب الكمال ج3 ص128 رقم 459 ، تهذيب التهذيب ج1 ص272 .
[13] الكامل في ضعفاء الرجال ج1 ص323 رقم 151 .
[14] تهذيب التهذيب ج1 ص272 رقم 568 .
[15] المستدرك على الصحيحين ج1 ص93 ط1 ، وج1 ص172 ح319 من الطبعة الحديثة ، كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي ج1 ص94 ، الكامل في ضعفاء الرجال ج4 ص69 رقم918 .
[16] تهذيب التهذيب ج4 ص354 ، 355 رقم 700 ، تهذيب الكمال ج13 ص96 ، 97 رقم2841 ، الجرح والتعديل ج4 ص415 رقم1825 .
[17] تقريب التهذيب ص274 رقم 2891 .
[18] كتاب الفقيه والمتفقه ج1 ص94 .
[19] كتاب الضعفاء لأبي نعيم ص95 رقم 910 .
[20] كتاب المجروحين لابن حبان ج1 ص345 رقم 443 .
[21] الكامل في ضعفاء الرجال ج3 ص436 رقم851 ، تهذيب الكمال ج12 ص326 رقم2676 .
[22] تهذيب التهذيب ج4 ص259 ، 260 رقم517 ، تهذيب الكمال ج12 ص326 ، 327 .
[23] تقريب التهذيب ص262 رقم 2724 .
[24] لسان الميزان ج3 ص145 رقم 517 .
[25] الكامل في ضعفاء الرجال ج4 ص4 رقم 885 .
مواضيع مماثلة
» حديث الثقلين وبسند صحيح كل رجاله ثقات حفاظ من أعلام أهل السنة
» حديث الثقلين.. مصادره وصحته (باختصار)
» تحريف حسين سليم أسد لحديث الثقلين (وثيقة)
» الآلوسي يخبرنا من هم أهل البيت المقصودين بـ( حديث الثقلين ).
» الألباني يعترف بصحة حديث الثقلين، لكنه يحرف معناه
» حديث الثقلين.. مصادره وصحته (باختصار)
» تحريف حسين سليم أسد لحديث الثقلين (وثيقة)
» الآلوسي يخبرنا من هم أهل البيت المقصودين بـ( حديث الثقلين ).
» الألباني يعترف بصحة حديث الثقلين، لكنه يحرف معناه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى